الخميس، 2 يوليو 2009

مفاهيم مغلوطة..فاحذروها

ما تمر به الأمة العربية والإسلامية اليوم هو أزمة فكر وثقافة بالدرجة الأولى، فالمثقفون أغلبهم ربطوا عقولهم وفكرهم بالغرب، واستوردوا ثقافتهم منه، ورغم أنهم يهاجمون الغرب فى كل مناسبة، إلا أنهم يقعون تحت تأثيره، ويرددون أفكاره ومصطلحاته الفكرية دون وعى أو فهم
والأمثلة على ذلك لا تحصى، خذ مثلا مصطلح الإسلام السياسي، الذي يتردد فى الآونة الأخيرة للدلالة على الحركات الإسلامية التى تعمل بالسياسة .
ويصفون الإسلام بما ليس فيه دون وعى أو فهم، ومعروف أن هذا التقسيم للإسلام ما بين سياسى واقتصادي أمر ليس من الإسلام فى شيء، فالإسلام دين شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعا، ويتدخل فى كل صغيرة وكبيرة فى حياة المسلم، وليس فيه هذا التقسيم البغيض، فالإسلام هو الإسلام كما جاء به القرآن، وجاءت به السنة المحمدية قولا وعملا.
والمتتبع للقرآن يجد أنه اشتمل على الأصول والقواعد الكلية التى تنظم حياة البشر على اختلاف مظاهرها، ففيه من قواعد الحكم والسياسة ما فيه، حيث حارب القرآن الظلم والاستعباد والقهر، وأمر بالعدل والشورى وحرية الاعتقاد، وبين مسئولية الحاكم والمحكوم على السواء، وأمر المسلمين بأن يقوموا بواجب وفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بداية من إنكار الظلم والثورة على الظالم ومواجهته، وانتهاء بمواجهة اصغر منكر فى حياة المسلمين، واستخدم القرآن فى ذلك ضرب الأمثلة وذكر قصص السابقين، وما قصة فرعون عنا ببعيد .
وفى مجال الاقتصاد حث الإسلام على العمل، وبين فضله، ونهى المسلم عن التسول والعجز، وأمر بالأخذ بالأسباب، وحرم القرآن المعاملات المالية التى فيها حيف وظلم كالمعاملات الربوية، أو التى فيها غش أو غبن كالتطفيف فى الكيل والميزان.
وحث المسلمين على بعض الأعمال والصناعات بالإشارة والقصص كالزراعة والصناعة وذكر بعض الصناعات التى قام بها بعض الأنبياء كصناعة الحديد التى كان يمارسها داوود عليه السلام.
ولا يخفى علينا ما فى القرآن من نظم اجتماعية وتنظيم للعلاقات المتعددة للمسلم، كعلاقة المسلم بالمسلم وغير المسلم، وعلاقات المسلم فى حالة السلم والحرب، وقواعد العلاقات الدولية، ثم العلاقات الاجتماعية الحياتية كعلاقة المسلم بأبويه وزوجته وأولاده وجيرانه وغيرها....
وتأتى السنة المطهرة فتوضح بعض آيات القرآن وتفصل البعض الآخر
وممارسات النبي أكبر دليل على ذلك، فلم يكن النبي يملك السلطة الدينية المتمثلة فى الوحى والتشريع فقط، وإنما كان يملك إلى جوارها السلطة الزمنية المتمثلة فى حكم المسلمين فى دولة محددة المكان والقانون والعلاقات ولها رسالة فى الحياة وأهداف تسعى إليها.
هذا هو الإسلام كل لا يتجزأ، فليس فيه تلك المصطلحات الغريبة عليه، والتي يرددها بعض المثقفين دون وعى أو فهم،
والعمل السياسي بمرجعية إسلامية أمر لا غبار عليه، ولا يمكن إنكاره على من يقوم به، كما لا يمكن إنكار من يعمل بالسياسة بمرجعية ماركسية أو بمرجعية رأسمالية ليبرالية .
وهم لا يدعون امتلاكهم للإسلام أو الحقيقة، لكنه العمل في دائرة الاجتهاد فيما لا نص فيه، أو يحتمل وجوها عدة، مع الالتزام بالضوابط والأصول الإسلامية التي عرجنا عليها آنفا في مجالات الحياة وأوجه الإصلاح المختلفة .
إن فكرة فصل الدين عن السياسة والحياة فكرة لا تتناسب مع ديننا ولا مع مجتمعنا، فالإسلام غير الديانات الأخرى والمجتمعات الإسلامية غير المجتمعات الأخرى، لأن الإسلام منهج حياة لا يربط المسلم بربه وآخرته، فقط بل ينظم له شئون حياته
وليس فى الإسلام دولة دينية أو سلطة دينية مقدسة خارج دائرة المحاسبة، بل دولة مدنية يحاسب فيها الحاكم والمحكوم على السواء، لكن المرجعية العليا لتلك الدولة هي الإسلام بقواعده وأصوله الثابتة فى القران والسنة فى مجالات الحياة المختلفة، فلا عصمة لحاكم فى الإسلام، هذا ما قرره الإسلام، ودارت عليه الممارسات الصحيحة فى التاريخ الإسلامي، ولا يؤخذ الإسلام بالممارسات الخاطئة للمسلمين.
ففكرة العلمانية فكرة مستوردة دخيلة لا قرار لها فى مجتمعاتنا الإسلامية، وليس عندنا رجال دين بالمفهوم الغربي " الاكليروس" ، ولكن عندنا علماء دين يفسرون، ويوضحون، ويذكرون، ويجتهدون، ويستنبطون الأحكام فى ظل الضوابط والأصول الإسلامية، ولا عبرة باجتهادات خاطئة أو فتاوى شاذة، كما أنهم مع ذلك ليسوا معصومين من الخطأ أو السهو، بل خاضعون كغيرهم للمراجعة والمحاسبة .
لقد حاولنا بكل الطرق الترويج للفكر العلماني، وإخراج الدين من دائرة الحياة على مدار المائة سنة الماضية، فماذا جنينا؟ هل تقدمنا فى أي مجال من مجالات الحياة؟ أم التراجع والتخلف هو سمة المجتمعات العربية والإسلامية فى كل مظاهر حياتها؟ فلماذا الإصرار على الترويج لبضاعة فاسدة أثبت العلم والتجربة بطلانها؟ أم هي الخديعة والاستهبال؟ أم هو الارتزاق والامتهان؟

ليست هناك تعليقات: