الأحد، 26 يوليو 2009

العقول المصرية : إلى أين؟

برغم حالة الضعف العام التي أصابت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية في مصر، والتي تبدو آثارها على كل شيء؛ بفعل الاستبداد والفساد، إلا أن مصر مازالت قادرة على إنتاج علماء مخلصين، وعقول، ومفكرين قادرين على أن ينهضوا بها، ويتقدموا بها خطوات إلى الأمام، ويضعوا أقدامها في مصاف الدول المتقدمة؛ وذلك إذا وجدت من يحتضنها، ويتبناها، ويشد أزرها، ويأخذ بيدها؛ لتصل إلى الغاية المبتغاة والأهداف المنشودة.

خذ مثلا المهندس جمال سالم (40 عاما) الذي استطاع أن يبتكر نظاما جديدا – منذ ثلا ث سنوات- يتيح للسيارة الوقوف ذاتيا في حالة الخطر، موفرا بذلك ثلث المسافة التي قد تستغرقها السيارة قبل الاصطدام بأي جسم أمامها، والذي أطلق عليه "الفرملة النفاثة".

هذا شيء جميل ورائع!! يقف المرء أمامه معجبا ومزهوا، لكن ما يدعوا للأسف والحزن في آن واحد!! هو ما لاقاه هذا العبقري المصري من متاعب جراء هذا الاختراع.

فلم يكن يعلم المهندس جمال سالم – كما ورد في صحيفة اليوم السابع الالكترونية- أن ابتكاره سيجعله مغضوبا عليه من المسؤلين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ والسبب إصراره على المطالبة بحقه في تمويل أكاديمية البحث العلمي لبحثه الذي حصل له على براءتين، إحداهما محلية مدتها 20 سنة، والأخرى دولية لمدة 30 شهرا، فضلا عن وصف البراءة الدولية للبحث بأنه جديد ومبتكر وقابل للتطبيق، كما أشادت به رابطة مصنعي السيارات وأكاديمية البحث العلمي.

رفض الوزارة تمويل البحث؛ جعل سالم يقوم بإعداد نموذج معملي على نفقته الخاصة؛ ليظهر قيمة النظام والنتائج المرجوة من تطبيقه، والتي تم عرضها على الوزير المختص، فرفض البحث قائلا "يبدو أن نفسك طويل لكن نفسنا إحنا كمان طويل".

هذه الحادثة لم تكن الفريدة من نوعها، ولن تكون، فهي حلقة في سلسلة متصلة من التجاهل والإهمال للمبدعين والمفكرين في مصر المحروسة، ولا ندرى حتى الآن لمصلحة من يتم هذا التجاهل؟ وهل تتم هذه التصرفات بناء على توجهات نظام سياسي فقد مصداقيته وشرعيته بفضل السلسلة الطويلة من الممارسات المفجعة بحق هذا الشعب المسكين؟ أم أنها تصرفات فردية لثلة من العاجزين والمنتفعين الذين لا يطيقون رؤية الكفاءات أو الناجحين؟ أم أن هذه هي طبيعة الاستبداد السياسي،الذي يسره أن ينتشر الجهل، ويسود الظلام بين صفوف الشعب؟ أم أن هذه إملاءات من قوى خارجية لا يسعدها أن يوجد أمثال هؤلاء المبدعين في بلادنا العربية والإسلامية؟.

لقد ألقى هذا الجو الخانق بظلاله على الأجيال الصاعدة؛ حتى فقد الشباب في بلادنا روح الانتماء لهذا الوطن العزيز، وباتوا يحلمون باليوم الذي يستطيعون فيه الفرار من هذا السجن الكبير، إلى بلاد أرحب، وشعوب تقدر لهم إبداعهم، وتثمن لهم عقولهم.

ولا أدل على ذلك مما ذكره موقع مصراوى – نقلا عن صحيفة القدس العربي – اليوم 25/7/2009 تحت عنوان " الطالبة الأولى على الثانوية تتهم الحكومة بإفساد التعليم وتقرر الهجرة لأمريكا" وجاء تحت هذا العنوان مايلى "شنت الطالبة رنا أبو بكر الحاصلة على المركز الأول بالثانوية العامة على مستوى الجمهورية بشعبة "علمي علوم"، هجوماً شديداً على الحكومة المصرية حيث اتهمتها بالمسؤولية الكاملة عن تدمير العملية التعليمية، والتحول بمصر من دولة ذات مكانة مرموقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إلى دولة تأتي في ذيل بلدان العالم بسبب الفساد المتنامي في كافة المجالات خاصة في التعليم.

جاء ذلك خلال الحفل السنوي الذي تقيمه وزارة التعليم بالمشاركة مع اتحاد طلاب المدارس، حيث فاجأت الطالبة الحضور بهذا الهجوم؛ مما أربك العديد من المسئولين وخبراء التعليم، خاصة عندما أعلنت الطالبة الأولى على مستوى الجمهورية رفضها التام البقاء في مصر، وعزمها الهجرة مع أسرتها للولايات المتحدة الأمريكية.

وأشارت رنا التي تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً إلى أن الملايين الذين يذهبون للمدارس لا يستفيدون من مناهج التعليم المختلفة ولا ترعاهم الدولة، بل تساهم في تدمير مستقبلهم من خلال عدم توفير الفرص الطيبة للدراسة.
وكشفت الطالبة الأولى النقاب عن أن والدها هو الذي دفعها للهجرة للولايات المتحدة من أجل طلب العلم وبناء المستقبل وقال لها:"لا يوجد شئ هنا في مصر، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتوقعي النبوغ، بل قد ينتهي بك الأمر للجلوس في المنزل لتنضمي لملايين العاطلين".

وبعد إلى متى ستظل العقول العربية مهاجرة؟ ومتى يتوقف هذا النزيف الذي أجهد الأمة وأضعف قواها؟ بل ربما سيؤدى حتما إلى موتها في يوم من الأيام .. ربما عندما يزول الاستبداد.

ليست هناك تعليقات: