الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

ماذا لو حكم أبو غزالة مصر؟

كان المشير أبو غزالة الذى ينتمى إلى الضباط الأحرار وإلى جيل أكتوبر من الشخصيات المحبوبة إلى الأوساط المدنية والعسكرية على السواء، وكان يتمتع بصفات تؤهله لرئاسة الدولة بما كان يملك من قدرة عسكرية وتاريخ مشرف فى العسكرية والعمل الوطنى، حيث شارك فى حرب فلسطين وهو ما زال طالبا فى الكلية الحربية، وكان من الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة يوليو، وشارك بأداء متميز فى صد العدوان الثلاثى، ولم يشارك في حرب 1967م حيث كان بالمنطقة الغربية وانقطع اتصاله بالقيادة وعاد ليفاجأ بالهزيمة، وقاد مدفعية الجيش الثانى الميدانى فى حرب أكتوبر عام 1973، بالإضافة إلى ما كان يتمتع به من تواضع وحب لجنوده الذين لعب معهم كرة القدم ولم يتعال عليهم، فأحبوه، وأحبه المصريون كما لم يحبوا أحداً فى السلطة من قبل.

ويعتبر المشير أبوغزالة من أبرز القادة الذين ظهروا في مصر خلال الثلاثين سنة الأخيرة، وعين وزيراً للدفاع عام 1981 فى أول حكومة شكلها الرئيس مبارك برئاسته، واستمر فى منصبه حتى إبريل عام 1989 بعدما تردد من شائعات عن قيامه بدور قوى فى تطوير برنامج الصواريخ المصرى وهو ما أثار استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية.
فصار بهذه المواصفات كفرسى رهان هو والرئيس مبارك، وكان يمكن أن يكون قدر مصر أن يكون رئيسا لها لو أنه غير إجابته حين سأله رئيس الحكومة فؤاد محيى الدين- بعد اغتيال الرئيس السادات- :"يا أفندم لا يوجد الآن غيرك أنت والأخ مبارك؟" ليجيب أبو غزالة- بدافع الإحراج علي ما يبدو-:"الأخ مبارك".

والسؤال الآن ماذا لو حكم أبو غزالة مصر؟
أو بمعنى آخر هل كان حال مصر والمصريين سيكون أفضل لو كان رئيسها فى الفترة الماضية هو أبو غزالة ؟ أو بمعنى آخر هل كان أبو غزالة سيظل يتمتع بهذه الصفات الطيبة التى تمناه المصريون من أجلها أن يكون رئيسا لمصر بدلا من الرئيس الحالى ؟ هل كان المواطن المصرى سيجد كرامته التى يبحث عنها من زمن بعيد ولم يعثر عليها حتى الآن ؟ وهل كان سيمارس حريته فى التعبير وفى اتخاذ القرار وفى المشاركة فى الحكم وفى تحديد مصيره وأسلوب حياته ؟ أم كان سيفرض عليه حياة لا يرضاها ؟

أو يمكن صياغة الأسئلة السابقة فى سؤال جوهرى يجب أن نبحث جميعا عن إجابة له لأنه يتعلق بمصيرنا جميعا أو يتعلق بمصير دولة كان ينتظرها دور ووضع غير الذى آلت إليه الآن
هل مشكلة النظام الحالى فى مصر فى شخص مبارك – وإن كان غير معفى من المسؤولية – أم أن المشكلة مشكلة نظام كامل وثقافة شعب تحتاج إلى جهود جبارة حتى تتحول نحو الديموقراطية ممارسة فى مجالات الحياة اليومية أولا قبل أن تمارس فى الحياة السياسية.

إن بذرة الاستبداد قد غرست فى نفوس المصريين – بفعل الحكام المستبدين المتعاقبين على مصر – منذ زمن بعيد، حتى صار المصريون فريسة سهلة للخداع السياسى، أو بمعنى آخر للدجل السياسى الذى يمكن أن يحول مشاعرهم نحو الحاكم المستبد الظالم من البغض والكراهية إلى الحب والتصفيق والهتاف بحياته لمجرد الإستماع لبرنامج خادع استخدمت فيه أساليب الدعاية الخبيثة، يتناول هذا البرنامج حياة المستبد فى حوار مباشر معه وبطولاته وإنجازاته الوهمية الدعائية .

أو الإستنامة لوعود كاذبة فى برنامج انتخابى تافه، لا قيمة له من الناحية العملية أو على أرض الواقع
ترى لو قام النظام المصرى الآن بتحقيق بعض صور الرخاء فى المجتمع المصرى، أو لو شعر المصريون بتحسن فى بعض مظاهر حياتهم المعيشية، هل ستجد مشاعر الغضب والإحتجاج التى تجتاح القطاعات العريضة والفئات المختلفة من الشعب المصرى ؟ أو ستجد من يطالب بالديموقراطية والحرية والحق المشروع فى تداول السلطة وممارسة الحياة السياسية بشكل طبيعى دون خوف من اعتقال أو مضايقات، أم أن المشاعر ستتحول إلى الرضا والفرح والقناعة بما حصلوا عليه من فتات الظالم الذى أعطاهم إياه.

يقول فيصل على سليمان الدابى المحامى " الأنظمة الدكتاتورية في دول العالم الثالث هي مجرد انعكاس تلقائى للدكتاتورية الشعبية، فالمزاج الشعبى الدكتاتورى هو الذى يصنع الأنظمة الدكتاتورية".
لقد بدأ مبارك عهده بالوعود بإطلاق الحريات والتداول السلمى للسلطة والتحول بمصر نحو الديمقراطية، فما زالت مصر تحكم بقانون الطوارىء حتى الآن.

إننا نحتاج إلى مزاج شعبى، عام يدرك قيمة الحرية والديمقراطية، ويدرك أهمية المشاركة الإيجابية فى الحياة السياسية، ويدرك قيمة النقد الذاتى وقبول الرأى الآخر، وينزع عن نفسه تقديس الحكام والملوك أو جعلهم فى مصاف الآلهة أو إخراجهم من دائرة المحاسبة والمراجعة عند الخطأ والإهمال .

مزاج شعبى عام يحمى هذه الحرية وهذه الحقوق من أن ينحرف بها مستبد أو يسلبها ظالم .

وما لم يتكون هذا المزاج الشعبى العام فإن الصفات الطيبة لأى إنسان يمتطى صهوة الحكم ستذوب عند أول ذوق لحلاوة وشهوة الحكم الذى لا يحرسه رأى عام يراجع حكامه ويحاسبهم وستتبدل هذه الصفات إلى صفات خبيثة تنمو وتزدهر مع بذرة الاستبداد المغروسة فينا جميعا .

ليست هناك تعليقات: